الرباط – يحل اليوم الدولي للتعاونيات لهذه السنة في ظرفية صحية استثنائية هزت العالم بسبب جائحة فيروس كورونا المستجد، ليجد القطاع نفسه أمام تحديات كبرى تتجاوز قدراته وإمكاناته، ما يستلزم تضافر الجهود الوطنية والدولية لمساعدته على تجاوز أزمة الركود الاقتصادي الناجم عن الوباء.
وتشكل هذه المناسبة العالمية التي يحتفى بها هذه السنة تحت شعار ” لنتعاون ولندع الجميع إلى مكافحة تغير المناخ ” محطة لتسليط الضوء على إشكالات القطاع وسبل تطويره لدوره الهام في الإدماج الاقتصادي والاجتماعي لشريحة عريضة من المجتمع خاصة الفئات الهشة.
وفي المغرب، عرف النسيج التعاوني الوطني نموا مطردا منذ صدور القانون رقم 112.12 المتعلق به في 2014، ليتجاوز عدد التعاونيات حاليا سقف 30 ألف تعاونية، وفقا لإحصائيات مكتب تنمية التعاون.
وفي نهاية سنة 2019، بلغ عدد التعاونيات، حسب المكتب، 27 ألف و262 تعاونية تضم 563 ألف و766 متعاون (35 في المائة منهم نساء)، تمثل التعاونيات الفلاحية نسبة 64 في المائة منها، متبوعة بقطاع الصناعة التقليدية بنسبة 18 في المائة، فضلا عن بروز تعاونيات في قطاعات جديدة كالتسويق الإلكتروني، وتطور في العدد بالنسبة لقطاعات أخرى.
وقد عصفت جائحة كوفيد-19 بهذا النسيج الذي يضطلع بدور كبير في خلق وتثمين الثروات والأنشطة المدرة للدخل وإحداث فرص الشغل وتحقيق التنمية المجالية والحد من الهشاشة، خصوصا في العالم القروي، حيث أصابته بشلل شبه تام.
ويقول الحرفي السيد العزيز البقالي، رئيس تعاونية الأصالة للمصنوعات الجلدية بسلا، وصاحب خبرة تزيد عن 42 عاما، أن تعاونيته تمكنت بفضل دعم المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، من خلال توفير معدات الإنتاج والتكوين من تطوير ذاتها والإبداع في صناعة النعال من قبيل (البلغة) و(الشربيل)، و(تماك) وهو نعل خاص بالفارس التقليدي، وتمثيل البلاد في التظاهرات والمعارض الدولية، توجت بشهادات الجودة في عدة مناسبات .
وأضاف البقالي في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن تعاونيته التي تأسست سنة 2014، تسهر أيضا على تعليم الراغبين في هذه الصنعة بشكل مجاني لاسيما الشباب حيث يتم تتويجهم في نهاية التكوين بشهادات وذلك في إطار شراكة مع مؤسسة محمد الخامس للتضامن، مساهمة منها في الحفاظ على هذه الصناعة العريقة و ضمانا لاستمرارها عبر الأجيال .
وحول الصعوبات التي تواجهها التعاونية، أشار السيد البقالي إلى معضلة التسويق، وسبل تصريف منتجات التعاونية “ذات الجودة العالية”، الأمر الذي لا يتناسب مع محدودية القدرة الشرائية لساكنة الحي الشعبي الذي توجد به، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن التعاونية تحظى بمواكبة مكتب تنمية التعاون الذي يسجلها بالمنصات الإلكترونية الخاصة بالتسويق عبر الانترنت.
وبخصوص تداعيات الجائحة على أداء التعاونية، قال البقالي إن فرض الحجر الصحي تسبب في توقف التعاونية عن العمل وتوقف الطلب على منتوجاتها الذي يرتبط الإقبال عليها أساسا في المناسبات والأعياد، إضافة إلى إلغاء المعارض الوطنية والدولية بسبب تفشي الوباء.
يقول السيد البقالي “استثمرنا كل الرأسمال المتوفر لدينا كما جرت عادتنا استعدادا لرمضان وعيد الفطر والحفلات والمعارض، وبدأنا في الاشتغال وإعداد منتوجاتنا، لكن الجائحة فاجأتنا وتوقف كل شيء، ووجدنا أنفسنا بدون احتياط مالي لمواجهة الأزمة”.
ورغم تخفيف الحجر الصحي، يقول الصانع التقليدي “ما زلنا متوقفين عن العمل والإنتاج. فتحنا محلنا من أجل البيع فقط، واضطررنا لتخفيض أثمنة بعض السلع لتصريفها قبل أن تفقد جودتها، ولتوفير مداخيل لتدبير المعيش اليومي”. وأشار إلى أن الكثير من نظرائه من الحرفيين تأثروا بشدة بسبب الجائحة، مشددا على أن النهوض بهذه الصنعة رهين بالانفتاح على الواجهات التجارية الكبرى، والمشاركة في معارض الصناعة التقليدية الوطنية والدولية وغيرها.
بدورها، تقول السيدة نادية بوتدرين رئيسة تعاونية “ياقوت” لإنتاج وتسويق مواد التجميل من ثمر (أركان)، أن التعاونية التي نشأت عام 2013، نجحت في تطوير ذاتها بمساعدة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وبمواكبة من مكتب تنمية التعاون، ما مكنها من الحصول على العديد من شواهد الجودة، وتعزيز منتجاتها في السوق الداخلية والخارجية وكسب ثقة الزبناء من خلال مشاركتها في المعارض الوطنية والدولية.
وأبرزت بوتدرين في تصريح مماثل، أن سر نجاح التعاونية يكمن في توفرها على رأسمال تشغيلي يمكنها من الوفاء بأداء نفقات التسيير، إلى جانب إدماج فائض التعاونية في دورة الإنتاج لتطويرها، وعدم لجوءها للاقتراض.
وحول تداعيات جائحة كورونا على التعاونية التي يبلغ عدد العاملين فيها بين منخرطين ومستفيدات حوالي 20 شخصا، قالت بوتدرين إنه بعد فرض الحجر الصحي، أغلقت المؤسسة أبوابها وتوقفت عن الإنتاج خصوصا وأنها تشتغل في إنتاج مواد شديدة الحساسية، كما أغلقت نقط البيع التابعة لها، قبل أن أن تتعاقد بعد شهر من ذلك مع شركة للتسويق الإلكتروني لتبيلة طلبات زبنائها.
وأشارت إلى أن التعاونية استغلت فترة الحجر الصحي لتفعيل موقعها الإلكتروني، وتكثيف التواصل مع مكتب تنمية التعاون عبر تقنية الفيديو لمناقشة المشاكل الناجمة عن الجائحة وبلورة حلول ملائمة للمرحلة في إطار شراكات، بالإضافة إلى تنظيم دورات تكوينية عن بعد لا تزال مستمرة لحد الآن.
وأضافت أنه بعد شهر من التوقف وما رافقه من خسائر على مستوى بعض المواد الأولية التي انتهت صلاحيتها، قررت التعاونية استئناف العمل بخمس أشخاص كحد أدنى مع احترام الإجراءات الاحترازية المرتبطة بالجائحة، والتركيز في الإنتاج على المنتجات التي يكثر عليها الطلب، في ما عادت طلبات السوق التضامني شيئا فشيئا لتستأنف التعاونية نشاطها بنسبة 30 في المائة في البداية، ثم 50 في المائة في انتظار أن تتحسن الوضعية بشكل أفضل.
وفي غياب تنظيم المعارض جراء الوباء، أعربت بوتدرين عن أملها في أن يتم توفير أسواق لتصريف منتجات التعاونيات في الواجهات التجارية الكبرى.
من جانبه يرى قديم علال مستشار بالتعاونية ومدير سابق في الصناعة التقليدية ( 34 سنة من الخبرة في القطاع) أن على التعاونيات أن تتخلص من الاتكالية والاعتماد المطلق على الدعم، وأن تستثمر في مقومات نجاحها ، وتشتغل على ذاتها من خلال التكوين.
ولفت إلى أن “العديد من التعاونيات أنشئت بدون دراسات جدوى”، وأن “القطاع يعاني إشكالات أبرزها سوء التدبير ونقص التكوين، ومعضلة التسويق”، مؤكدا على ضرورة وعي المتعاونيين بأهمية توفير احتياط اجتماعي للتعاونية لا يقل عن 10 في المائة تحسبا للطوارئ والأزمات.
كما شدد على أهمية العمل على إعادة بناء حقيقي للمدبرين والمسيرين للتعاونيات وقطاع الصناعة التقليدية بصفة عامة، في مناخ يسود التضامن والتآزر من أجل الارتقاء بالاقتصاد الاجتماعي.